أهم المنشورات

الأربعاء، 1 يوليو 2015

الحداثه وما بعد الحداثه...بقلم...الكتور...طارق لرضوان

* المقال الثالث (الحداثه وما بعد الحداثه)
السلبيات والايجابيات-- وكيفية تطبيق الحداثه فى الاسلام
مـــقالـــة بـــقـــلم د/ طــــارق رضــــــوان
من المعلوم أن لنظرية مابعد الحداثة إيجابيات وسلبيات كباقي الظواهر والنظريات الثقافية ، وباقي المناهج النقدية الأدبية. وبالتالي، لايمكن الحديث عن الكمال والتمام في العلوم الإنسانية إطلاقا؛ لأن الأفكار والمناهج والتصورات تتناسخ وتتناسل وتتوالد تناصا وتقويضا وتفكيكا وتأجيلا وتشتيتا. ومن إيجابيات مابعد الحداثة أنها حركة تحررية تهدف إلى تحرير الإنسان من عالم الأوهام والأساطير، وتخليصه من هيمنة الميثولوجيا البيضاء. كما تعمل فلسفات مابعد الحداثة على تقويض المقولات المركزية للفكر الغربي، وإعادة النظر في يقينياتها الثابتة ، وذلك عن طريق التقويض والتشكيك والتشتيت والتشريح والهدم، والهدف من ذلك هو بناء قيم جديدة. كما حاربت من جهة أخرى ثقافة النخبة والمركز، فاهتمت بالهامش والثقافة الشعبية، ثم انتقدت الخطابات الاستشراقية ذات الطابع الاستعماري بالنقد والتفكيك والتحليل. كما آمنت نظرية مابعد الحداثة بالتعددية والاختلاف وتعدد الهويات، وأعادت الاعتبار للسياق والإحالة والمؤلف والمتلقي، وجمالية التلقي. واهتمت كذلك بالتناص والاختلاف اللوني والجنوسي والعرقي، وعملت على إلغاء التحيزات الهرمية والطبقية، واحتفت بالضحك، والسخرية، والقبح، والمفارقة والغرابة، واعتنت كذلك بالعرضية، والمهمش، والمدنس، وانزاحت عن الأعراف والقوانين والقيم الموروثة. واستسلمت للغة التشظي والتفكك واللانظام، ونددت بالمفاهيم القمعية القسرية وسلطة القوة...
بيد أن من أهم سلبيات ما بعد الحداثة اعتمادها على فكرة التقويض والهدم والفوضى، إذ لا تقدم للإنسان البديل الواقعي والثقافي والعملي، فمن الصعب تطبيق تصورات مابعد الحداثة واقعيا لغرابتها وشذوذها. و" بذلك، استهلكت مابعد الحداثة قدرتها الإستراتيجية الفعالة في إبراز التحيزات المجحفة دون أن يكون لها موقف أخلاقي أو سياسي أو اجتماعي. ويعجب المرء من المفارقة بين قوتها العدائية ضد التحيزات والنهاية المحايدة التي تنجم عن مثل هذه الحرب الضروس. ولعل مثل هذه النهاية هي التي دعت الكثير إلى توجيه أصابع الاتهام. فهناك من يقول: إن هذه السمة ذاتها هي التي تجعل ما بعد الحداثة متواطئة مع الأشكال الشمولية القمعية التي تسعى إلى الهيمنة والسيطرة والظلم الاجتماعي الاقتصادي. لاغرو والحالة هذه أن تدخل ما بعد الحداثة مجال العلوم الإنسانية حديثا جدا، وحتى هذا الدخول لم يتسم بالفعالية نفسها التي عرفتها في الفن والأدب والموسيقا والاستعراضات المسرحية وغيرها من مشارب الحياة اليومية التي لايترتب عليها اتخاذ قرارات حاسمة تمس حياة الإنسان مباشرة. ولعل المفارقة القارة التي تجعلها عاجزة هي معاداتها للثنائية الضدية، إذ إن التضاد أساس المعرفة وأساس التحيز، وبدون التضاد لايمكن معرفة ما إذا كان توجه ما أفضل من غيره. ولذلك، فإن دفاع مابعد الحداثة عن الهامش جعلها تتقمص خصائصه، إذ انقلب على أهميتها، فأصبحت هامشية لا تغير من الواقع شيئا. وككل هامشي، أصبحت مابعد الحداثة تتمنى أن يتحقق الوئام فجأة ، فتسود العدالة، وتختفي الطبقية الهرمية، ويختلط المركز بالهامش، وتلغى الفوارق من غير تحيز أو غاية. هذه هي الطوباوية التي تحلم بها كل المثاليات: حداثية كانت أو مابعد حداثية." 
وهكذا، نجد أن فلسفة مابعد الحداثة لها قيم إيجابية وقيم سلبية، بيد أن مايهم الإنسان في واقعه العملي هو التأسيس والتأصيل، وليس التفكيك والتقويض، مع السعي الجاد إلى البناء الهادف بدلا عن الانغماس في عوالم افتراضية عبثية وعدمية وفوضوية.
ثمة مجموعة من النظريات الأدبية والنقدية والثقافية التي رافقت مرحلة مابعد الحداثة، وذلك مابين سنوات الستين والتسعين من القرن العشرين. وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى التأويلية، ونظرية التلقي والتقبل، والنظرية التفكيكية، والنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، ونظرية النقد الثقافي، والنظريات الثقافية، والنظرية الجنسية، ونظرية الجنوسة، والنظرية التاريخانية الجديدة، والنظرية العرقية، والنظرية النسوية، والنظرية الجمالية الجديدة، ونظرية مابعد الاستعمار، ونظرية الخطاب (ميشيل فوكو)، والمقاربة التناصية، والمقاربة التداولية، والمقاربة المتعددة الاختصاصات، والنقد البيئي، والنقد الجيني، والنقد الحواري، والمادية الثقافية،...
هذا، وقد ظهرت النظرية الإسلامية في الحقل الثقافي العربي في الفترة نفسها التي ظهرت فيها نظريات مابعد الحداثة، وذلك في مجالات: النقد والأدب والفن، لكن حداثتها تكمن في دعوتها إلى النظام والانسجام والاعتدال والوضوح، والانطلاق من الثقافة الربانية، واستلهام التصور الإسلامي في الأدب والنقد وجودا ومعرفة وقيمة. وبالتالي، فهي نظرية أخلاقية متوازنة تهدف إلى البناء، والتأسيس، والتنوير، وتحرير الإنسان من الأوهام الأيديولوجية وإنقاذه من الضلالة والوثنية والعبثية، كما أنها نظرية لا تؤمن بفلسفات التقويض والتشتيت والاختلاف، وتسعى جاهدة للتعمير، والتغيير، وتخليق الإنسان على أسس أخلاقية صحيحة، تلك الأسس المستمدة من المصدر الرباني اليقيني.
ونستدعي أيضا من رواد مابعد الحداثة المفكر الفرنسي جان فرانسوا ليوتار (Jean-François Lyotard) (1924-1998)، الذي أنكر الحقيقة مثل: نيتشه، وخاصة في كتابه:" حالة مابعد الحداثة" (1979م). ففي هذا الكتاب:" يجادل ليوتار أن المعرفة لا يمكنها أن تدعي أنها تقدم الحقيقة في أي معنى مطلق؛ لأنها تعتمد على ألاعيب اللغة التي هي دائما ذات صلة بسياقات محددة. وهنا، نجد أن ليوتار مدين بالفضل الكثير لنيتشه وفيتغنشتاين، حيث يدعي أن أهداف التنوير في تحرير الإنسان ، وانتشار المنطق لم ينتج سوى نوع من العجرفة العلمية. وقد رفض يورغن هابرماس قبول هذا التقييم لمصير أهداف التنوير، حيث يعتقد أنها لاتزال قابلة للحياة
ولقد اهتم فوكو كثيرا بتحليل الخطاب ، ورفض التقيد بالمناهج الجاهزة، واستعمال آليات مكررة ، واعتبرها بمثابة علبة للمفاتيح. فالنص منفتح ومتعدد، لايمكن قراءته قراءة أحادية فقط. ويعني هذا أن فوكو يؤمن بتعدد القراءات واختلافها من ناقد إلى آخر. وقد اهتم فوكو بمواضيع جديدة كالجنوسة والنظريات الجنسية. وقد كان أكثر الكتاب والفلاسفة الفرنسيين تأثيرا في الثقافة الأنجلوسكسونية.
ومن جهة أخرى، اهتم جيل دولوز (Gilles Deleuze) بالتعددية والانفتاح على الآخر إدراكا وتفاعلا، حيث اعتبر الفلسفة بأنها فلسفة التعددية. ومن ثم، فقد انتقد الهوية وفلسفة الواحد والتطابق. كما انتقد دولوز مجموعة من الفلاسفة كدافيد هيوم ، وبرجسون، وليبنز، وسبينوزا. وخصص الأنطولوجيا بدراسات فلسفية عميقة. وقد سخر فلسفته منطلقا لفهم الأدب والفن والسياسة. وبعد ذلك، تحدث عن الحقل الاجتماعي، وصاغ أنطولوجيا ملموسة للفعل والحدث. وقد آمن جيل دولوز بالتعددية والاختلاف ، بعد أن تأثر في ذلك بأطروحات برغسون (Bergson) الحدسية حول الديمومة والزمان والمحايثة والتعددية. وقد اهتم دولوز بفلسفة التأسيس في كتابه:"الاختلاف والتكرار"، وتحدث عن التعددية في إطار الاختلاف، والتعددية- كما هو معلوم - نقيض فلسفة الهوية. ومن ثم، يربط فلسفة التأسيس بالديمقراطية كفضاء لتحقيق الاختلاف، ويعتبر الديموقراطية النظام المناسب للتطور الحالي للمجتمع. وبالتالي، ففكر التأسيس والاختلاف هو فكر يناقض فكر الهوية والوحدة والإقصاء والتغريب.
بقلم /الدكتور طارق رضوان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات