أهم المنشورات

الاثنين، 13 أكتوبر 2014

دراسة وتحليل لنص شعري (( للشاعرة غادة عقل )) بقلم // الشيخ محمد عريبي الشمري .

مقامرة

مقامرة.. تراهن..

على نسياني
ولو كلفك الأمر
أن تعشق غيري
عشرَ نساء
ونسيت أن لي طرفا
يستعبد حتى الأمراء
وانك..
يا شهرياري المدلل
مهما تماديتَ
ومهما قتلت من الإماء
فلن تنساني..
أنا 
أنا شهرزادُ 
بارعة في سرد الحكايات
ولي سحرٌ
قادر على اجتثاثك
من القصور
وإلقائك في خيام الصحراء
كفاك تثير غيرتي
فلن تصبر أمام
حُسن حواء
ولن تصمد أمام الدهاء
أميرة النجمات أنا
سأقلب عليك الفصول
سأُريك الأمطار صيفا
وتساقط الأوراق ربيعا
فأنا ..
من علّم من لا يعرف الحب
كيف يحب
وكيف يغازل سود العيون
وكيف يوصف بهاء الظباء
كفاك تمارس
طقوس الكبرياء
وأنت تراقبني كطفل
يراقب هلال العيد
في أفق السماء
اعترِفْ..
اعترِف إني قطعة سكر
تحلو بها
قهوتك
وأنك بدوني
تهيم كأيّلٍ بين الجبال
يبحث عن البقاء
اعترف...
أن رهانك
مجرد مقامرة 
رعناء
======
بقلم : غادة عقل

سلوك التحدي وارد جدا عند الإنسان بما يمتلكه من ملكات حسية مادية أو معنوية روحية ، إن كانت ذاتية بمعنى في طور التكوين أو مكتسبة جراء التجارب اليومية التي يمر بها فتصبح له الخبرة الكافية لتفادي ما يمكن تفاديه . وهذا المعنى داخل في إثبات وجوده ولو بالحد الأدنى لذاته . 

فمادام هو كائن بطبعه الاجتماعي المعهود يقينا من تعرضه لبعض الصدمات التي تحول دون إشباع رغباته الوجودية . فتراه يستعين تارة بما أودع الله تعالى به من سجايا وملكات ذاتية ، وتارة أخرى يلجأ للأسباب المحيطة به والتي أملت الخبرة التراكمية المكتسبة عليه . ففي الأعم الأغلب لا يكترث لنوع وكم الأسلوب الذي يتبعه لإشباع ذلك ، بقدر ما يهمه تحقيق ما يمكن تحقيقه لنيل الظفر على الطرف الآخر ، بحيث يبوب ذلك كله بالمشروعية الإنسانية وبشكل مطلق . 
ومع ذلك كله ، لا يلتفت إلى ما سيسببه سلوك معين من تداعيات قد تكون خطيرة في حياته الشخصية من الناحية الاجتماعية والأخلاقية ، وحياة الطرف الآخر الذي قد يكون جمعي ، بمعنى قد يؤثر ذلك على مجموعة مجتمعية لا يستهان بها . وقد يكون سنة وناموس يقتدى به خاصة إذا كان متصديا لمسؤولية معينة . 
فهو يتشبث بالأسباب والملكات لإثبات وجوده . هذا الأمر متفاوت بين الأفراد من كلا الجنسين ، فنراه يُترجم من خلال الجنس الأكثر نعومة من الجنس الآخر ، ألا وهو الأنثى . وبما أنها لا تمتلك الشدة البدنية بقدر ما تمتلك من التساهل والليونة ، فيتضاعف عندها السلوك الغريزي للسجايا التي أودعها الله تعالى فيها . وأحد تلك السجايا هي الغيرة . 
الغيرة من الملكات التي لا يمكن وضع لها تعريف جامع مانع ، فهي سلوك مبني على الأثر الخارج ممن يمارسها . 
في طور التكوين الغيرة سلوك إنسان مشروع يلبي حاجة إنسانية لها أثر أخلاقي مرموق ، يشعر الفرد من خلاله بوجوده كإنسان له حق الحب والاشتياق والرفع والدفع والكره والاشمئزاز والقرب والبعد والرفض والقبول ... وما إلى ذلك من الميولات والتطلعات التي تمس حياته الشخصية ويمارس من خلاله دوره النفسي والمجتمعي على حد سواء ، فهو دائم الخلود لأخذ حيزه الطبيعي في الأسرة والمجتمع . 
إلا أن في بعض الأحيان تكون الغيرة مشوبة ببعض القوى الحيوانية ، كالغضبية والسبعية والشهوية ، وبذلك تؤدي به إلى إفرازات ليس من الضروري إفرازها لإثبات وجوده لولا تلك القوى التي سيطرة على طبعه الطبيعي . فيظهر عليه الغضب والتشفي والنيل من الطرف الآخر لمجرد ظهور ميزة او ظاهرة قد ميزتْ الآخر عنه ، ولا يعلم أن هذا الأمر قد يكون طبيعيا حسب مقتضيات التفاوت الطبقي مثلا او العلمي الاكاديمي او حتى الوراثي الذاتي ، كل ذلك يغيب عنه حين سيطرة القوى الحيوانية عليه . 
فيبدأ حينئذ بممارسة بعض الأساليب التي قد تخالف حتى الأعراف التي اتفق عليه العقلاء ، وقد يتعدى أحيانا على النواميس السماوية إذا اصطدمت مع تطلعاته الشخصية لإثبات وجوده . 
وهنا يسميها العلماء (( الغيرة الشيطانية )) ، لأنها غير مباحة شرعا وعرفا. 
على سبيل المثال مبدأ حب التملك غريزة تنمو عند الإنسان منذ طفولته ، فإذا نمت وتضاعفت من دون تهذيب ومراعاة قد تكون تداعياتها خطيرة جدا ولا تحمد عقباها . فيمارس الفرد تلك الغريزة بشكل ما إن وجد شيء تتوق له نفسه إلا وأصابه شيء من الغيرة والسعي لامتلاكه ، ولا يهمه حينئذ الطريقة كماً أو نوعاً بقدر ما يهمه الحصول على مبتغاه . 
قد يعتقد البعض أن غريزة حب التملك ليس لها مدخلية بالغيرة ، هذا صحيح من وجهة النظر السطحية للمبدأ ، أما إذا كانت النظرة الموضوعية هي السائدة وبعين المتفحص الحاذق فإنه سيرى أن حب التملك المفرط هو أحد الأسباب الرئيسية في جلب هذا النوع من السلوك ، الذي قد يسبب كثير من التصرفات الشيطانية التي تردي الشخصية وتسقطها في حضيض العوالم السفلية . 
فنلاحظ مثلا : أن شهريار ما يمتلكه من نزعات ذاتية بحب التملك والنظر إلى الأسباب المحيطة به من خيلاء كبرياء الملك ، قد أثار حفيظة شهرزاد . 
فبالرغم من أنها لا تمتلك ما يمتلكه ملكها الموقر من سلطة ونفوذ والتحكم برقاب الرعية ومقدراتهم ، إلا أنها تمتلك غريزة ذاتية ومكتسبة ألا وهي إثبات وجودها كإنسان له الحق في العيش والتعايش والحب والبغض وغير ذلك . هذا الشعور تطرحه شاعرتنا المبدعة (( غادة عقل )) في نصها الرائع (( مقامرة )) ، فتفيض علينا بحزمة من المفردات المختزلة إلا أنها غزيرة بالصور التي تجسد ذلك الصراع ألبقائي المشروع .

(( مُقامرة .. ))


هي اللعب القائم على الصدفة والحظ والنتيجة ربحاً أو خسارة . هذا المعنى استطاعت الشاعرة من خلاله توظيف عنوان لنصها كي تستهين بما كان يفعله شهريار من لعب مفاده محض صدفة وضرب من ضروب الحظ ليس إلا . والحظ والصدفة في الربح أو الخسارة شيء لا سند ولا ركيزة معنوية أو حسية له ، بل هو أمر واقع على وهم الخيال الذي يستند إليه المُقامِر لنيل أو الحصول على مأربه .


((تراهن..

على نسياني
ولو كلفك الأمر
أن تعشق غيري
عشرَ نساء
ونسيت أن لي طرفا
يستعبد حتى الأمراء
وانك..
يا شهرياري المدلل
مهما تماديتَ
ومهما قتلت من الإماء
فلن تنساني..
أنا )) 
بعد طرح عنوان اللعب ، الذي هو مُقامَرة ، لابد من تبيان على ماذا يُقامر ، بمعنى الإتيان بالشيء المراد من أجله يلعب شهريار ، لعلم شهرزاد أن ما من أمه يقضي معها ليلته إلا ويقتلها حين بزوغ الفجر ، فيعيد أحدوثته مع أمه أخرى في الليلة الآتية ، مقرون ذلك بنسيانه فعل جريمته في الليلة الماضية . فلو تلبس شهريار بعدم النسيان لما عاد لتكرار فعلته . 
هذا المعنى قد تجلى لذهن الشاعرة واستفادت منه استفادة رائعة بحيث أوضحت أن مبدأ المُقامرة قائم على رهان النسيان . فاستخدمت حرف الامتناع لوجود (( لو ... )) بعطف فيه شيء من التراخي وهو بإضافة الواو لـ (( لو ... )) لأن الأمر يحتمل التراخي ليلة أو ليالي .... 
فالممتنع هو عدم النسيان بالرغم من وجود غيرها من الإماء . فهنا تستهين بحظه العاثر بتوكيد عددي ليس للحصر بل لبيان الكثرة ، وهذا غالبا ما يستخدمه العرب في كلامهم ، وهو الإتيان بالعدد لا لحصر بل للكثرة ، وهذا يدلل سعة فكر الشاعرة وإدراكها حجم الاستهانة بالمُقامر الشاذ عن الطبع الإنساني . 
فيا مُقامر لو أنك عشقتَ ما عشقتَ من النساء وتعمدت نسياني بوجود غيري ، فلا يمكنك ذلك لامتلاكي ما لا تملكه أنت حسا ومعنا ، لأن فرضك قائم على وهم وخيال مقرون بدلال السلطة والخيلاء الزائل بالإضافة إلى شذوذ طبعك بقتل من سامرك وأهدى لك أعز ما يملك ، وفرضي قائم على وجود لا مثيل له ، به يعبدني الأمراء والملوك ساحر الوجود لا وهم ولا خيال وهو لغة عيناي . ففرضي للمقامرة ثابت بثبوت أنيتي حقيقيةً ، وفرضك زائل بزوال ملكك الدخيل عليك ، فنسبة الذاتي إلى المستعار كنسبة لغة عيناي التي تستعبد الأمراء إلى كرسيك الباقي لغيرك ، وما آل إليك إلا بزوال غيرك . 
فحينها تثبت الشاعرة أنيتها المقرونة بالأبدية حقيقة لا استعارة من الخارج بقولها (( فلن تنساني ... )) فتلحقها بإضافة نسقية بدون واسطة ، لأن الواسطة تفيد التراخي المعنوي ، فتقول : 
(( فلن تنساني ... أنا )) . 
تمكن وبراعة بالطرح ، واستفادة لغوية (( عرفية )) في غاية الدقة ، وجودة بالصياغة والاقتباس .

(( أنا شهرزادُ 

بارعة في سرد الحكايات
ولي سحرٌ
قادر على اجتثاثك
من القصور
وإلقائك في خيام الصحراء ))

إثبات الإنية لشهرزاد ليس اعتباطي ولا جزافي بل هو أمر قائم على سند معنوي راسخ بما تمتلكه ملكة القدرة والتفوق والإتقان في سرد الحكايات الساحرة للب المتلقي بحيث تجعله عابد لها بحسن فصاحةٍ وكمال ، وغالبة عليه ، بل قادرة على قلعه من أصله لفساد طبعه ، ووضعه بالموضع الذي يليق دنو شخصه . لعلم شهرزاد أن طبعه الفاسد بعيد كل البعد عن ساحة التحضر والمدنية ، فجاهليته التي يتمتع بها لا تليق إلا بخيمة لا تتعدى سوى أعواد بالية وسط رمال خالية . 

فطرح الأنا القادرة ذات الواقع المتين السند أمام الأنا القلقة المتزلزلة أوجب ذكر التضاد بالدلالة اللفظية البارعة لشاعرتنا المبدعة .

(( كفاك تثير غيرتي

فلن تصبر أمام
حُسن حواء
ولن تصمد أمام الدهاء ))

هنا تفصح الشاعرة عن سجية التحدي القائم على أساس الغيرة . 

فحب التملك الذي غمر شخص شهريار أثار حفيظة تلك الغريزة الكامنة عند شهرزاد ، هذا أولا ، وثانيا دعوة لتذكير المُقامر بأن شهرزاد هي ذلك الامتداد لدهاء حواء ، وهي عنوان لكل النساء ، لعلمهن أن صمود آدم ضئيل أمام دهاء حواء فأخرجته من جنة القصور إلى مهبط الجهد والشقاء ، هذا أمر ، والأمر الآخر تمتع حواء بالمنحنيات ذات المسحة الحسنة التي يتوق لها صاحب الزوايا الحادة والخشونة المعهودة كل ذلك وغير يدعو إلى عدم تحمل آدم أمام لطف جمال حواء . 
إنه التفاتة غير معهودة ومتفردة لشاعرتنا وملمة بكثير من مفردات التفاضل الحسي بين الجنسين . 
وبعد سرد التفاضل الموجز ، تثبت ما تؤل إليه المقامرة والتحدي الغريزي لفرض ملكات حواء كي تكسب الجولة ببقاء وجودي واقعي حاضرا ذهنيا ومستقبلا بامتداد وقوة غريزة الغيرة الذاتية والمكتسبة من خلال التراكم التجريبي فألبستها ثوب الخبرة الجامحة بإثبات كيانها ودورها بإدارة شؤونها وعدم السماح للغير التحكم بها وبمقدراتها .

(( أميرة النجمات أنا

سأقلب عليك الفصول
سأُريك الأمطار صيفا
وتساقط الأوراق ربيعا
فأنا ..
من علّم من لا يعرف الحب
كيف يحب
وكيف يغازل سود العيون
وكيف يوصف بهاء الظباء ))

إثبات الأنا قبل كل شيء دلالة على شمول شخصية المتكلم ، ولكن حين إثبات صفة قبل ذكر الأنا دلالة عظم وخطورة تلك الصفة في السرد . ولأن المقام في محل مفاضلة وتحدي أثناء المُقامرة ، فأوجب ظهور صفة تلاءم مستوى التحدي وإلا خسران الجولة يطفو على السطح بأدنى شبهة . 

والعجيب أيها الأخوة أن الشاعرة ملتفتة جداً في صياغة المفردة بحيث لم تقل (( ملكة النجمات أنا )) بل قالت (( أميرة النجمات أنا )) لعلمها أن المقام لا يتحمل ملكين أولا ، ووجود الملك يستدعي وجود أميرة ثانيا ، فأثبتت الإمرة دون غيرها من الصفات ، الله .... الله ما تلك الدقة التي تبعد الصياغة عن التناقض والأضداد . 
وإذا ثبتت الإمرة الواقعية لها ، كان لابد من سرد ما تؤل إليه المُقامرة ، فتشرع بذلك بخطى واثقة . 
فتحشد طاقتها بصورة إجمالية إبتداءاً ومن ثم تفصل بشكل بياني رهيب ، فهي تقلب معادلة الناموس الطبيعي الذي يتمتع به من ترف وزهو يوجب استعداده النفسي والروحي ، فإذا انقلب الشيء فجأة ذهب الإمكان الاستعداد في مهب الريح ، وشاهد المتلقي ما لم يكن معهوداً لديه وسقط ملكه وخاب سعيه وجفت منابع الخير المغدقة وشرب كأس الخيبة والخذلان . يحدث كل ذلك لأن قلبه تجاهل قرين لولاه لما تم وكمل الحب ، بل لا وجود له أصلا . فصاحبة الغيرة الثابت لها حور العيون وبهاء الصورة قد قامرها فقير محتاج ، وبالمقابل لا غنى عنها لكونها مَنْ علمته لطف المعاني وغزل الثنايا . 
وعند ذلك أوجب التنبيه والزجر للمُقامر الفقير لأبسط عناصر التحدي ، فتقول :

(( كفاك تمارس

طقوس الكبرياء
وأنت تراقبني كطفل
يراقب هلال العيد
في أفق السماء ))

ابتداء جملة غاية بالزجر والتوبيخ ، بحيث أردفتها بصفة ما وُصف أحد بها إلا وكان في محل ذم ، لأنه بلغ ما بلغ من السمو والعزة تبقى صفة الكبرياء ناقصة ، لأنها صفة مضافة تُمَلّك بالأسباب الزائلة ، ما إن ارتفعت ــ الأسباب ــ إلا زالت وأردت بصاحبها حضيض العوالم السفلية . 

من النواميس التي يضعها صاحب الكبرياء لنفسه هي أن يرى صغر ما دونه بخيلاء وتكبر فيصاحب تعامله شيء من التفرد لإظهار وجوده ولذلك يلجأ إلى بعض الظواهر الطبيعية كي يمارس دوره الكبريائي . هذا الأمر لم يغيب عن ذهن الشاعرة المبدعة ، فعطفت ممارسة الكبرياء بشيء يتوق له الطفل دوما . فاستعارت هذا المعنى ووظفته لأجل إظهار مدى ضحالة الكِبر ، مع أن الهلال آفل لا محالة . فهي في محل استهجان لتلك الصفة المذمومة والمقرونة دوما بالأفول .
أي إبداع هذا مستغرق ومحيط بمفردة قد أتت بصورة متألقة .

(( اعترِفْ..

اعترِف إني قطعة سكر
تحلو بها
قهوتك
وأنك بدوني
تهيم كأيّلٍ بين الجبال
يبحث عن البقاء ))

مع كل ما تقدم من قوة ملكات حواء وقدرتها ، إلا أن ليونتها ورقة ثناياها ونعومتها لم تغب عنها أبدا . فهي الحاذقة المدبرة لشؤون الرهان . وحتى اعترافها بذلك فهو مشوب بلا يمكن الاستغناء عنه ، فتطرح تصنيفها الفسلجي مقرونا بوجود حلو المذاق بات للمرارة ضد ، فجرعة حنظل تواقة دوما لما يحليها . وهل تخلو حياة شخص من مرارة الظروف وأحداث الجديدين بما يكدر صفوة العيش . فتأتي حواء فتزيل حنظلها بطلة كلها سكر فتبدد ظلمة الحدث بنور وهناء . حينها يدرك المقابل أن لا استغناء للسكر بتحلية جرعة قهوة . فوجود فسحة العيش والبقاء بصفاء ورغد لا يكون إلا بوجود قرين ، منه الامتداد الذي يحقق الأنس ويثبت الوجود فيصيب بذلك المقابل واقعه الذي يعيش فيه ، وإلا تكون الحياة كوعل هام بين منعطفات وسفوح الجبال يبحث عن مأوى فلم يطله . 

ما هذه الصورة المنغمسة بأصل الواقع والتي تحن إلى التعايش وتنبذ العزلة وتضفي الطابع الاجتماعي للإنسان .

(( اعترف...

أن رهانك
مجرد مقامرة 
رعناء ))

مما تقدم لم يبقى شيء ، وإن كان يسيرا إلا ويوجب الاعتراف ، أن ما كان من مبدأ الرهان وأسبابه هو ضرب من ضروب الاستهانة المقرونة بخيلاء جوفاء لا محل لها في عالم الإنسانية التي من ركائزها الاعتراف بوجود الآخر . له شخصه واستقلاليته ، قادر على إدارة شؤونه ، ملبياً لحاجاته ، من حقه العيش بسلام ، يحدد أحلامه ويسمو لتحقيقها ، ينبذ مبدأ التسلط والعبث بمقدراته ، يطمح لإشباع رغباته ، وجوده طبيعي لا يوجب إثباته أو التحكم به . كل ذلك وغيره يستدعي أن من قامر وتصرف بوجوده على أساس الربح أو الخسارة فهو أرعن . فكان حقاً أن يُجتث من أصله ، لأنه يعيثوا في الأرض فسادا . 

ماذا أقول وأين أحط رحلي كي أدرك ما أدرك من وسع دائرة فكر شاعرتنا المتألقة (( غادة عقل )) وهذا بعض فيضها جادت علينا فأوسعت موضوع طرحته بكل إلمام واستغراق . 
نص أغدقنا بطرح قضية مجتمعية بمعالجة أدبية قد تفردت بها ، وهو ليس غريب عن قلم طالما نزف بمداد فكرها النير ذات البعد الفواح الذي يستنهض النفس البشرية لتوثيق القيم الحقة التي من أجلها وجد الخلق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات