أهم المنشورات

الأحد، 19 أبريل 2015

كلمات :الاديبة التونسية عفيفة سعودى سميطى " اخى "

اخى 
كلمات :الاديبة التونسية عفيفة سعودى سميطى
و انتشله الصّوت الهادئ من سُخْطه السّحيق ... و رفع رأسه...
- أراك مهموما...
كلّ ما يحتاجه في تلك اللّحظة من سُخْطه السّحيق ... صوت هادئ ينتشله من لسْع السُّخْط الذي كان يجْلده بقسوة...و نظر إلى الوجه الباسم الوديع...كان ملاكا متشحا بالبياض...و اتاه صوته الحنون من جديد...
- ما كل هذا الهمّ الذي يرْبض بين ضلوعك ؟
كانت ضلوعه تُطْبق على قلبه.... و كان في حاجة الى من يزيح تلك القبضة عنه...و تضوّعت من الملابس البيضاء الماثلة أمامه رائحة عطر نفذت الى أعماقه و شرعت في تخدير سُخْطه...ثم عاد الصوت ...هادئا ...عذبا ... كتغريد بلبل منتش يسأله برقّة بالغة :
- ماذا تتمنّى ؟
و فلتت من شفتيه ضحكة ساخرة... و أعاد الصوت السّؤال الصّوت بإصرار مُغْرٍ :
- ماذا تشتهي؟
و مرّ في تلك اللّحظة النّادل حاملا صينيّة القهوة... و ظلّ يتابعه بحرمان ... ثمّ نظر الى الوجه الملائكيّ و قال :
- أتعرف ؟... منذ زمن لا أشتهي سوى قهوة ساخنة يضعها هذا النّادل الوضيع أمامي باحترام مثلما يفعل مع الآخرين...
و نظر الوجه الى النّادل و هتف بحزم :
- قهوة.... يا ...
- اسمه جمال ... لكنّه أبشع مخلوق...
و تقدّم النّادل ... و هتف ببرود :
- من سيدفع ؟
و أجابه الصّوت و هو يُدقّق النّظر فيه :
- أنا ...
ثمّ التفت إليه و سأله بحنان :
- هل ترغب في شيء آخر ؟
و شعر بقبضة الضّلوع ترتخي ... و بقلبه يتطلّع الى الرجل
الغريب... و دون أن يعي هتف باشتهاء كبير :
- أرغب في أشياء كثيرة ...و أهمٌها الان أن أشبع حدّ الألم ...
و ضحك الرجل ... حتى ظهرت أضراسه ... ثم قال :
- حسنا... سنذهب إلى مطعم ...و سأقدٌم لك أكلا حتّى تتْخم ... ثمّ سأمنحك عملا ...
- و القهوتيْن ؟.. أنتركهما لذاك الوضيع؟
- ستعود يوما ما الى هذه المقهى ... و ستأخذ كلّ شيء...
و وقف ...و وقف معه ... و سار حذوه...ذهنه المتضوّر جوعا لم يسأله عن ذاك الشّيء... و لم يسيرا نحو مطعم ...و أتاه صوته ناعما ، دافئا ، مغريا :
- في بيتي أكل كثيرٌ...ما رأيك لو نذهب هناك ... و نأكل على راحتنا ؟
و لم يتردّد ... ذهنُه المتضوُر جوعا أجاب بسرعة :
- كما تشاء ...فأنا لم أشبع منذ دهور..
في البيت كانت هناك قِصاعٌ كبيرةٌ ...و كان هناك لحْمٌ كثيرٌ...لحم غضٌّ ورديٌّ... لا يحمل رائحة مواشي ... و لا رائحة دواجن...و جلسا حول تلك القِصاع...و مدّ الوجه الباسم يده ...و لذهنه المتضوّر جوعا.. لمْ يلحظْ المخالب النّاتئة منها ...و انقضّ على اللّحم و شرع ينهشه و يبلعه ...و ارتفعت المخالب في تلك اللّحظة الى الوجه الباسم و اقتلعته...و ظهر الوجه الآخر.... كان كتلة من اللحم المختمر...و ارتفع الصوت يسأله :
- ما رأيك في طعم اللحم ؟
و رفع رأسه.... و لم يرتعب ... و هتف و المخالب تشرع في النٌتوء من أصابع يديه و قدميه :
- إنّه لحم ذو طعم و رائحة أعرفها جيدا...أريد فقط أن أذوق طعم الرّؤوس... فأنا لا أجدها فوق القِصاع...
و قهقهت الكتلة ... ثمّ وقفت ... و مدٌت مخالبها نحو مخالبه ... و قادته إلى غرف مغلقة...و فتحتها...و هتفت :
- هي ذي الرؤوس....نحن لا نطبخها... لكن نتركها شاهدة على حقبتنا...انظر إلبها جيّدا...
و نظر إليها جيّدا ... ثمّ تجشّأ ... و هتف :
- و كيف تصطادونها...؟ أريد أن أعرف ذلك جيّدا حتّى آتيك بقطيع منها...
و سال لعاب لزج من كتلة اللحم المختمر... و ارتفع فحيحها آمرا :
- عدْ إلى المقهى... حيث النّادل و الجوع و القطيع...و لا تُفْلِتْ رأْسا....
تونس-20-مارس-2015م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات